فخوفا
من تسرب ما لم يثبت قرآنا، عُني
الصحابة
والتابعون ، ومن بعدهم على
ضبط روايات
،
واشتهر طائفة من نقلة هذه الروايات
بالضبط والإتقان، وعرفوا بها ،
واشتهروا بنقلها ، فنشأ مفهوم
القراءات القرآنية أو علم القراءات.
وأما إذا أرادوا
بقولهم السابق : أن رسم المصحف قد كتب بحرف
قريش فقط ،
وأن رسمه يحتمل ما ثبت في العرضة
الأخيرة ، فهو رأي فيه وجاهة لولا أنه
يشكل عليه ما ورد في صحيح الإمام
البخاري
من حديث أنس بن مالك قال : " فأمر عثمان
زيد بن ثابت وسعيد بن العاص
وعبد الله
ابن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن
هشام أن ينسخوها في المصاحف
، وقال لهم : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن
ثابت في عَرَبِيَّة من
عَرَبِيَّة
فاكتبوها بلسان قريش ؛
فإن
أنزل بلسانهم ، ففعلوا "
، فالأثر السابق يستفاد منه الأمور
التالية :
الأمر
الأول : أن
غالب
نزل بلسان قريش ، لقول عثمان
: " فإن
نزل بلسانهم " ، أي : أن غالب
نزل بلسان قريش ؛ بدليل :
قوله
تعالى : 

، وقوله تعالى : 


فالآيتان
الكريمتان تدلان على أن
نزل
بلغة العرب جميعا ؛ وإن كان غالُبها
نزل بلغة قريش .
الأمر
الثاني :
أن الأثر السابق يدل صراحة على أن رسم
المصحف رسم بلغة قريش ، وغيرها بدليل قول عثمان
: " إذا اختلفتم أنتم وزيد بن
ثابت في عربية من عربية
فاكتبوها بلسان قريش " ، فهو يدل على
أن بعض الأحرف كانت تكتب بلغة غير لغة
قريش .
والذي أراه في هذه
الجزئية - والله تعالى أعلم - : أن
قد رسم في غالبه بلغة
قريش ، مع هذا فإنه لا يَمْتَنِع من
رسم طائفة من الحروف بلغة غيرها ؛ لأن
رسم المصحف قد احتوى على ما استقر من
الحروف القرآنية في العرضة الأخيرة .
وسأقوم ببيـان معنى علـم
القراءات
، ثم أركان القراءة الصحيحة، ثم بيان أسماء
القراء العشرة الذيـن تواترت
قراءاتهم ، مع ذكر رواتهم وطرقهم مع
بيان الفرق بين القراءة
والرواية والطريق، ثم سأذكر أسماء
أهم المصنفـات في هذا العلم الجليل،
وأخيرا سأبين صلة القراءات
القرآنية
العشر المتواترة بالأحرف السبعـة ، وذلك كما يلي :
